نظمت امانة بغداد احتفالاً مركزياً كبيراً بمناسبة مئوية المعماري العراقي الكبير الدكتور محمد مكية بمشاركة نخبة من الأساتذة والمعماريين المختصين من داخل وخارج العراق في يومي السبت والأحد من (5-6) نيسان 2014 في فندق المنصور ميليا.


تضمن المؤتمر جلستين صباحية ومسائية تحدثت عن السيرة المعمارية لمكية الحافلة التي اغنت العمارة العراقية على مدى قرن من الزمن ومنها ( جامع الخلفاء , كلية التربية ابن رشد في مجمع باب المعظم ,  قصر الاميرات في شارع الاميرات , فندق ريجيت بالاس في شارع الرشيد ).



ان العملاق الكبير الدكتور محمد صالح مكية هو احد عباقرة الفن المعماري الذين اسسوا مدرسة تكاد ترتبط وتقترن بأسمه فضلاً عن ذلك ان محمد مكية يعد فنانا تشكيليا ربما يغيب عن الذهن , انه كان اول رئيس لجمعية التشكيلين في خمسينيات القرن الماضي , جمع بين التشكيل والعمارة وهناك شواهد كثيرة من الابنية من تصاميم المعمار الفنان مكية , تحية لهذه القامة الكبيرة من زملائه وتلاميذه. 
وذكرت مديرية العلاقات والاعلام ان الاحتفال الذي حضره امين بغداد وكالة عبد الحسين المرشدي ومدير عام العلاقات والاعلام حكيم عبد الزهرة ووزير الثقافة الاسبق (مفيد الجزائري ) وعضو مجلس النواب (صفية السهيل) والسفير عبد الكريم الكعبي رئيس الدائرة القنصلية في وزارة الخارجية واكثر من (60)  شخصية من تلامذة المحتفى به من حملة الشهادات العليا في مجال الهندسة المعمارية ودراسة وتخطيط المدن وجهت لهم دعوات للحضور من داخل العراق وخارجه تضمن القاء كلمات وبحوث وصور وافلام تناولت السيرة الابداعية للدكتور مكية وما قدمه من انجازات واعمال في المجال المعماري التي امتدت لخمسة عقود من الزمن ..


وقال مدير عام العلاقات والاعلام حكيم عبد الزهرة في كلمة امانة بغداد ان  الفن المعماري يعد لكل أمة تراثا ثقافيا وسجلا لابداعات ابنائها ورمزا من رموز عبقريتها وذاكرة حافظة لقيمها ومقوماً من مقومات هويتها الحضارية وخصوصيتها التي تنفرد بها بين الثقافات والحضارات, مشيراً الى ان “التراث العراقي المعماري يعد علامة مضيئة وثمرة لهذا الإبداع الذي اسهم في إغناء الحضارة الاسلامية وإثرائها بما حمله من مظاهر جمالية وفنية ظلت عنوانا دالا على أصالة العمارة العراقية وتقدم بنائها وصناعها وعلمائها عبر العصور المختلفة . .

 واضاف ان امانة بغداد وانطلاقا من وعيها بالرسالة الحضارية التي نهض بها المعماريون العراقيون وتعريفا وتوثيقا وإبرازاً لتأثيراتهم في مسيرة العمارة الانسانية وجه امين بغداد بإقامة هذا المؤتمر للاحتفاء بأحد رواد العمارة ورموزها وهو المعماري محمد مكية بمناسبة ذكراه المئوية ,متمنياً له العمر المديد لينهل تلامذته من منهله العذب بما يغني الحضارة الانسانية ويكون خير شاهد على العمارة العراقية وروعتها وتحديثها لربطها بالتطورات المعمارية مع الحفاظ على خصائصها .
 واوضح ان هذا التكريم يأتي تثمينا للمكانة المرموقة والمشوار العلمي والعملي المذهل للدكتور مكية الذي يمثل كنزا لايقدر بثمن الذي سبق له ان أعد تصاميم لمبان سكنية وتجارية وثقافية واتسعت معرفته بتراث الهندسة المعمارية العراقية علاوة على انه احد المؤسسين لقسم الهندسة المعمارية في كلية الهندسة بجامعة بغداد .

ونقل عبد الزهرة  تحيات امين بغداد للمشاركين في الاحتفال الذي يستمر على مدى يومين  ورغبته الجادة للتعاون في دعم جهود امانة بغداد للنهوض بواقع العاصمة على وفق احدث الطرائق المعمارية وأجملها لاستعادة دورها الحضاري وارثها الفعال في الحضارة الانسانية , معربا عن أمله بالخروج بتوصيات مبنية على أسس علمية صحيحة لخدمة العراق وشعبه المتطلع الى اللحاق بركب العالم المتحضر وبناء ما دمرته الحروب العبثية للنظام الشمولي المباد   .
 وأشار الى ان امانة بغداد سبق وان اقامت فعاليات مماثلة منها مؤتمر مراكز المدن وتطويرها بالتعاون مع قسم الهندسة المعمارية في كلية الهندسة بجامعة بغداد وحظي بمشاركة العديد من أساطين العمارة في العالم وكذلك سيتم تكريم (25) شخصية قدمت منجزا إبداعيا تزامناً مع إقامة فعاليات مهرجان بغداد الدولي السادس الزهور .
كما سيتم  تنظيم زيارات ميدانية للمشاركين في هذا المؤتمر لجامع الخلفاء في شارع الجمهورية الذي سبق للمعماري مكية ان قام بتصميم تجديد بنايته في ستينيات القرن الماضي وزيارة الى كلية التربية ، ومكتبة الاوقاف وفندق (ريجنت بالاس ) ٠
ولد الدكتور محمد مكية في بغداد بمحلة صبابيغ الآل عام 1914، وهي من الأماكن البغدادية المتميزة في عوائلها وأسماء عشائرها المحترمة، فضلاً عن الشخصيات البارزة التي ظهرت من هذه المنطقة المهمة في بغداد بدايات القرن الماضي، ويتذكر الدكتور مكية محلته هذه ويتحدث عن تلك الذكريات بعد أن رحلت أسرته فيما بعد صوب بغداد لتستقر هناك، ومنذ صباه كان ولعه كبيراً بمناظر العمائر والشوارع البغدادية القديمة فضلاً عن الشناشيل البغدادية القديمة وخصوصيتها المعمارية الفنية الجميلة. 
أكمل فيها دراسته الأولية ثم درس الهندسة المعمارية في جامعة ليفربول في بريطانيا، ونال درجة البكالوريوس عام 1941 وحصل على الدبلوم في التصميم المدني في الجامعة نفسها، أما الدكتوراه فقد حصل عليها عام 1946م في كلية كينغزجامعة كمبردج في بريطانيا وكان موضوع أطروحته ((تأثير المناخ في تطور العمارة في منطقة البحر المتوسط)).
وقد بعث الدكتور مكية برسالة لعائلته ليلة الجمعة أي قبل يوم من الاحتفاء به قال فيها (الاعزاء والأحباء في بغداد , الروح والوجدان والمعاني الكبيرة , انه لشرف لي ان اخاطبكم وكم وددت لو ان الاعوام المئة تعينني للوصول اليكم والاستماع لكلماتكم الجميلة بغداد ايها الاحبة جوهرة من جواهر العصر ربما تمرض وتتعب لكنها لاتشيخ فزمن المدن العظيمة مغاير في تفكيرنا بالزمن , المدن تمتلك روحها وهي روح يمكن تلمسها والشعور بها بكل مكان , بغداد عندما غادرناها مضطرين منذ عشرات السنين عرفنا ان شيئا ما من ذواتنا علقت هناك في ضفاف دجلة والازقة والمقاهي والشناشيل والساحات , عرفنا ان شيئا من بغداد كان معنا كأبنائنا كبرنا وشخنا وهذه المئة تمضي لكن ذلك الجزء من بغداد لايكبر لايشيخ يتوحد بأحلامنا بلهجتنا بطريقة تفكيرنا يتسلق جدران منازلنا يتحول الى شمس عراقية حامية في ايام الشتاء القاسي والى نسمة من دجلة في ايام الصيف , المدن تشارك فينا وتختم على ارواحنا بصمتها لكن ليس كل المدن تفعل ذلك بعض المدن , فقط بغداد منها , العمارة في جوهرها تنتمي الى تلك العلاقة الحميمة من المكان والتاريخ والوظيفة والبشر ذلك المكان الذي يمنحنا جزءا منه يحتاج الى ان نفكر من اجله وان نفتخر بأنتماءنا اليه , اوصيكم ببغداد استمعوا اليها اصغوا كثيرا الى صوتها ستكتشفونه في حركة الشجر والنخيل في دفق ماء النهر , تأملوا لونها تجدونه في الطابوق والخشب في زرقة الماء في سحرة الاهل , ديوان الكوفة ينتمي الى بغداد بكل أرثه وتراثه على امتداد العقود ولهذا نطالب بعودة ديوان الكوفة الى مكانه الطبيعي في بغداد ولان السنوات المئة لاتسعفني للقيام بهذه المهمة كلفت ولدي العزيز كنعان مكية للعمل معكم على هذا الامر , مني ايها الاصدقاء والأبناء والأحفاد كل المحبة والتقدير والعرفان , اعتنوا ببغداد لتعتني بكم , اعتنوا بالعراق الذي منحنا الكثير والكبير رغم كل الاوجاع” . .
وقد تم في اليوم الاول القاء محاضرات مختلفة عن سيرة الدكتور محمد مكية الشخصية العائلية القاها الدكتور حيدر محمد مكية (حفيد المعمار محمد مكية) اضافة لمحاضرات المشاركين وفي اليوم الثاني تم زيارة زيارة المباني التي صممها المعمار المبدع محمد مكية.
إقامة اعمال جدارية فنية في إحدى ساحات بغداد مخصصة لمنجز المعماري محمد مكية
اعلنت امانة بغداد عن التوصيات التي خرج بها الاحتفال المركزي الذي اقامته بمناسبة مئوية المعماري العراقي محمد مكية.وذكرت مديرية العلاقات والاعلام في بيان لها اليوم تلقت وكالة كل العراق (المؤتمر)نسخة منه ان « التوصيات تضمنت تشكيل [هيئة مئوية مكية] برئاسة امين بغداد وحفيد مكية الدكتور حيدر محمد مكية احد اعضاء هذه المؤوية وعضوية مدير عام العلاقات والاعلام وعدد من اساتذة الجامعات العراقية المختصين في مجال الهندسة المعمارية لمتابعة وتنفيذ التوصيات الخاصة بإحتفالية مئوية المعماري الدكتور محمد صالح مكية على ان تجتمع كل (3) اشهر بدعوة من امانة بغداد».واضافت ان « التوصيات تضمنت ايضاً قيام امانة بغداد والجهات ذات العلاقة بتخصيص بيت تراثي لمقر ديوان الكوفة عبر عملية استملاك احد الابنية المصممة من قبل الدكتور مكية او مكتبه المطل على نهر دجلة في منطقة كرادة مريم ببغداد»، وبينت ان « المحتفلين أوصوا أيضا بإقامة اعمال جدارية فنية في إحدى ساحات بغداد مخصصة لمنجز محمد مكية مع اقتراح تسمية شارع رئيس بإسم هذا المعماري العراقي الكبير» .واشارت الى ان « التوصيات تضمنت اصدار طابع بريدي يخلد مئوية مكية بالتنسيق مع وزارة الاتصالات و تشكيل وفد من أمانة بغداد و[هيئة مئوية مكية] لزيارة وتكريم المحتفى به الى جانب إستحداث جائزة بإسم جائزة محمد مكية للعمارة».وتابعت ان « الهيئة اوصت بقيام امانة بغداد بصيانة وترميم المنجز المعماري للدكتور مكية وفي مقدمتها جامع الخلفاء بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة الى جانب مفاتحة منظمة اليونسكو لإدراج جامع الخلفاء ضمن التراث الإنساني».هذا وقد بعث محمد مكية برسالة الى المحتفلين بمئويته عبر فيها عن شكره وعرفانه بما بذل من جهود لإنجاح هذه المبادرة « , داعياً الى « تكثيف الجهود للنهوض بواقع العاصمة بغداد لما تحمله من إرث وتراث وتاريخ على امتداد عقود طويلة من الزمن «.
صمم مكيّة في الستينات وحتى التسعينات، عشرات الجوامع والدواوين والقصور الأميرية ومباني الوزارات والمنظمات الحكومية والبنوك والمتاحف والجامعات والمكتبات في العراق والبلدان العربية والإسلامية وغير الإسلامية، وكانت تصاميمه تفوز دائما بالمرتبة الاولى عن طريق لجان التحكيم الدولية. ومن التصاميم المنفذة، مبنى المحاكم العليا في الرياض، وجامع روما وجامع هيوستن بتكساس في الولايات المتحدة وجامع إسلام آباد. كما وضع تصميما لمقر الجامعة العربية في تونس إلا أن المشروع ككل لم يتحقق. ونفذ مكية ثلاثة تصاميم مختلفة لفروع بنك الرافدين في بغداد والبصرة وكربلاء، مستلهما البيئة الخاصة لكل مدينة. وفي ربيع 2001 تم في مسقط افتتاح جامع السلطان قابوس الأكبر، الذي دخلت سجادته موسوعة (غينيس) العالمية باعتبارها الأكبر في العالم. ويروي مكيّة بشغف ذكريات العمل في مشروع الجامع أوائل التسعينات، ويقول: «سعيت لأن يكون التصميم نابعاً تماماً من البيئة المسقطية الغنية بالملامح التاريخية كالقلاع والأبواب والحصون، بالإضافة إلى الجبل والبحر اللذين يشكلان الهوية الجغرافية لها». ويضيف: «لكل مدينة هويتها، ولو طُلب مني تصميم جامع في لندن لأعطيته ملامح إنجليزية. في نظري أن الجغرافيا أكثر صدقا من التاريخ!»

Comments are disabled.